رسالة من المرشد العام للإخوان المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة من المرشد العام للإخوان المسلمين
للأخ إسماعيل هنية

أخى المجاهد الكريم ..

سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد ؛

أحمد إليكم الله الذى بنعمته تتم الصالحات ويُنصر المستضعفون ويُذل الطغاة المستكبرون .. أخاطبك ليس فى شخصك فحسب ولكن أخاطب من خلالك كل رجل وامرأة .. كل شاب وطفل .. كل فتاة وبنت .. كل شهيد وجريح .. كل مشرد ومنكوب .. كل مجاهد يده على الزناد وعينه يقظى لا تنام فى قطاع غزة الصامد الصبور .

لقد رفعتم بالعزة أقدارنا، وجللتم بالفخار رؤوسنا، وبيضتم بالنصر وجوهنا وتاريخنا. أشعر الآن بأن قول الله تعالى يتحرك ويتحقق (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) لقد انتصرتم فى معركة غير متكافئة بالمرة على أقوى جيش فى المنطقة زعم أنه سيقضى عليكم فى بضعة أيام، والآن وبعد اثنين وعشرين يوما من المواجهة لا يزال عاجزا عن تحقيق أهدافه، وإن ذهب يخدع شعبه بأنه حقق نصرا، وهذا يقتضى أن نشرح معنى النصر :

معنى النصر : هو الثبات على الحق والتشبث به وعدم التفريط فيه مهما كانت النتائج وقد فعلتم، وإفشال مخططات العدو وإحباط أهدافه .

هذا هو المعيار بغض النظر عن قيام معركة أو عدم قيامها، وبغض النظر عن مقدار الخسائر المادية فى كل جانب فى حال قيامها .

ولقد سمى الله تعالى حادثة الهجرة نصرا رغم عدم قيام معركة فيها وعدم سفك دماء أو إزهاق أرواح (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى و@لِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

لقد جاء الجيش الصهيونى الذى لا يقهر – هكذا زعموا – مدججا بأحدث الأسلحة وأشدها فتكا بما فيها المحرمة دوليا من الترسانة الأمريكية ليواجه فئة قليلة العدد ضعيفة التسليح بغية القضاء على المقاومة وإزاحة حماس صاحبة الشرعية فى حكم الضفة والقطاع، وإيقاف إطلاق الصواريخ منه، ومنع وصولها إليه، واليوم وهو يضطر إلى وقف إطلاق النار من طرف واحد ويتأهب للانسحاب منه لا تزال المقاومة ثابتة صامدة تأبى المساومة ولا تزال الصواريخ تنطلق من القطاع، ولا تزال حماس باقية بل التفت حولها قلوب الفلسطينيين وتعاطفت معها الشعوب العربية والإسلامية فارتفعت مكانتها وزادت شعبيتها .

نعم لقد قتلوا وحرقوا ومزقوا ودمروا وخربوا وتركوا مشهدا لم يعرفه التاريخ لا أيام هولاكو ولا أيام النازى تعجز الألسنة واللغات عن وصفه، ولكن ذلك له دلالات : أن العدو الصهيونى حينما عجز عن مواجهة المقاومة وتحقيق أى من أهدافه فإنه راح يصب حممه وصواريخه على المدنيين الآمنين خاصة الأطفال والنساء والشيوخ بهدف قتل الروح المعنوية للمقاومة فتستسلم أو للشعب فينقلب عليها، لكن الذين تربوا على الإيمان بالله والجهاد فى سبيله وعشق الشهادة لا تنكسر إرادتهم مهما كانت الخسائر والآلام والأحزان .

ويدل أيضا على أن هؤلاء الجبناء الذين يدمرون من الجو والبحر والأرض عن بعد لو واجههم أعداد من المجاهدين تتناسب مع أعدادهم، وسلاح يتعامل مع أسلحتهم لولوا الأدبار .

إن خرافة الجيش الذى لا يقهر سقطت من قبل ثلاث مرات فى سيناء 1973م وفى لبنان 2000م، 2006م وها أنتم أولاء تسقطونها للمرة الرابعة فى غزة 2009م فهنيئا لكم نصر عجزت عن تحقيقه جيوش .

كما أن هذه المجازر الإجرامية سوف تضاف إلى ما سبقها : دير ياسين وقبية وكفر سالم وصابرا وشاتيلا وقانا وبحر البقر وأسرى مصر وغيرها كثير فى الوعى العربى وسوف نورثها لأبنائنا وأحفادنا ليعلموا أن هؤلاء الغزاة العنصريين ما جاءوا ليعيشوا ولكن جاءوا ليقتلوا ويطردوا ويهيمنوا، وأن هذه المنطقة لن تعرف الاستقرار حتى يرحل هؤلاء القتلة عنها، فالدم لا يفجر إلا الدم .

وللحرية الحمراء باب **** بكل يد مضرجة يُدق

أخى الكريم ... أعتقد من مراقبتى لمواقفكم أنكم منتبهون للدسائس والمؤامرات التى تحاك لكم يصنعها رؤساء وسياسيون خبثاء منحازون وقد يشارك فيها أقرباء غافلون ولكن هذا لا يمنعنى من تذكيركم بأن تحذروا أن يُسرق نصركم فى الميدان على موائد المفاوضات تحت اسم مبادرة أو اتفاقية أو تفاهم أو ما إلى ذلك، وهو ما عانيناه فى حرب 1973م .

أخى الكريم .. لا يفت فى عضدكم خذلان بعض الأنظمة العربية وتحاملهم عليكم فقد جربتموهم من قبل فى حصارهم الخانق والظالم ضدكم، ولكنكم صبرتم وصمدتم، واليوم بفضل الله انتصرتم رغما عنهم، وكأنى بكم الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك، قالوا : أين هم يا رسول الله ؟ قال : فى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس" وحسبكم أن الأمة العربية والإسلامية بشعوبها جميعا هبت من أجل نصرتكم وأعرب مئات الآلاف من شبابها عن استعدادهم للتدريب والجهاد معكم لتحرير الأرض وتطهير المقدسات وحماية الأهل الذين يسكنون منهم المُقَل والقلوب، وهذا بحمد الله يطمئننا على المستقبل بغض النظر عن الحاضر الأسيف، ونحن – علم الله – كنا نود أن نشارككم الجهاد والنصر أو الشهادة لولا ما تعلمون من عوائق .

أخى الحبيب .. لقد تعرضت منطقتنا لحملات صليبية حاقدة فى العصور الوسطى وكانت أرضكم هى المسرح الذى هزمت فيه هذه الحملات، وتعرضت لحملة التتار الجائحة وكانت أرضكم أيضا هى المسرح الذى كٌسرت فيه هذه الموجة العاتية، واليوم وبعد ثباتكم البطولى ونصركم المؤزر – بإذن الله – ألمح بداية النهاية للمشروع الصهيونى العنصرى التوسعى على أيديكم .

كما أدعوكم جميعا معشر الفصائل المجاهدة المقاومة أن تتحدوا وأن تكونوا على قلب رجل واحد، ولا تسمحوا لأحد ما أو خلاف ما أن يفرق جماعتكم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) فذلكم طريق النصر .

وختاما ... أرجو أن تبلغ سلامى وإعزازى وإكبارى وتشدّ باسمى على يد كل فرد فى غزة المنصورة – بإذن الله – وتذكرهم بقوله تعالى (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقوله (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)