اللغة العربية وعاء الدين ، فلم الاستخفاف بها والازدراء ؟؟!

الحمد لله وكفي ، وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد :
فإن اللغة وعاء الدين ، وبها نزل الكتاب ، وعلى إحكامها وإتقانها يتوقف فهم الخطاب ، ومع ذلك رأينا أناساً بها استخفوا ، وبمن يصحح لهم أخطاءهم فيها استهزأوا ، وتعلل بعضهم أن أخطاءهم في الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والإملاء ، وهذه لعلم العربية كالألف باء ، ولعمري من يحكم هذه ويُحسنها فبأي شيء باء ؟؟!!
وكل العلوم إلى اللغة مفتقرة ، واللغة غير مفتقرة إلا إلى الكتاب ، وعند كثيرين إلى السنة أيضاً . قال الشعبي فيما رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله : النحو في العلم كالملح في الطعام لا يستغنى عنه . نفي هذا المعنى يقول الشاعر :
النحو يصلح من لسان الألكن ... ..والمرء تكرمه إذا لم يلحن
والنحو مثل الملح إن ألقيته ... في كل ضد من طعامك يحسن
وإذا طلبت من العلوم أجلّها ........ فأجلها منها مقيم الألسن

وفي جامع بيان العلم أيضاً : عن أبي عثمان قال : كان في كتاب عمر رضي الله عنه : تعلموا العربية . وفيه أيضاً عن عمر بن زيد قال : كتب عمر إلى أبي موسى : أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية .
وقال ابن عبد البر في بهجة المجالس : قال عمر : رحم الله امرأ أصلح من لسانه . ولهذا كان ابن عمر يضرب ولده على اللحن .
وقال علي بن محمد العلوي:
رأيت لسان المرء رائد عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون
ولا تعد إصلاح اللسان فإنه ... يخبر عما عنده ويبين
ويعجبني زي الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يلحن .
وفي بهجة المجالس أيضاً : قال عبد الله بن المبارك، اللحن في الكلام أقبح من آثار الجدري في الوجه.
قال ابن شبرمة : إذا سرك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيراً، ويصغر في عينك من كان فيها كبيراً فتعلم العربية .
ولهذا كان بعض الأعراب وأهل العربية يستغربون حصول الفوائد والنعم لمن لا يُقيم لسانه ولا يُصلحه ، وفي كلامه لحن ، وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار : دخل أعرابي السوق فسمعهم يلحنون، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون ونحن لا نلحن ولا نربح .
وكان بعض السلف يقول: "ربما دعوت فلحنت فأخاف ألا يستجاب لي " .
ولهذا عندما سمع أعرابياً رجلاً يلحن في الدعاء قال :
فلان يدعو ربه بلحن ..... فأنى له يُستجاب
بل إن معرفة اللغة والنحو قد احتال بهما من استحق القتل فاستطاع أن يفلت ، ومن هذا ما رواه ابن قتيبة في ( عيون الأخبار ) فقال : حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سمعت مولى لآل عمر بن الخطاب يقول: أخذ عبد الملك بن مروان رجلاً كان يرى رأي الخوارج ، ( رأي شبيب ) ؛ فقال له: ألست القائل :
ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أميرُ المؤمنين شبيب
فقال: إنما قلت: " ومنا أميرَ المؤمنين شبيب " بالنصب، أي يا أمير المؤمنين. فأمر بتخلية سبيله .
وهناك أمرٌ آخر من أمور اللحن والجهل بالعربية وهو ما صدر عن بعض رؤوس المبتدعة وكيف أنهم لجهلهم بالعربية فسروا النصوص على أهوائهم فازدادوا ضلالاً على ضلال ، قال االشاطبي في الاعتصام : 1 /237(عند كلامه على استدلال أهل البدع ) : " ومنها تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين ، مع العزوف عن علم العربية الذي يُفهم به عن الله ورسوله ، فيفتاتون على الشريعة بما فهموا ، ويدينون به ، ويخالفون الراسخين في العلم " وذكر بعض الأمثلة منها تفسير بعضهم قول الله تعالى : ( ريح فيها صر ) فقال : هذا الصرصر ، يعني صرار الليل !!! وعن النظام أنه كان يقول : إذا آلى المرء بغير اسم الله لم يكن مولياً ، قال : لأن الإيلاء مشتق من اسم الله !!!
ومما قرأته أن بعضهم قال أن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم مستدلاً بقول الله : ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) وهكذا في جهالات وجرأة لا نظير لها ، وإنما أوتي هؤلاء من قبل جهلهم باللغة والنحو والتصريف ، الذي يرى بعض الناس أن لا أهمية له ما دام يُفسِّر ويُبين ، والآخرون يفهمون عنه ، فنقول له : ليس الأمر كذلك ، إنما الأمر أنك تتكلم في الحلال والحرام ، وفي قضايا الكفر والإيمان ، وهذه طامة وأي طامة ، ثم نفتخر بهذا بل ونسخر ممن ينبه عليه ، وإليكم حواراً جرى في هذا المنتدى سأنزع منه أسماء المتحاورين وأي اسم ورد في المتن ، لأن القصد التنبيه لا التشهير لترى :
ذكر أحدهم فلاناً وأنه ممن يستفتح مقالاته بالشهادتان .
فرد عليه أحدهم : بالشهادتان ، ياترى ماذا تعمل الباء هنا ، يبدو أن فيك من صاحبك . ( يعني منبهاً على أن الباء تجر وكان ينبغي أن يقول : بالشهادتين ) !!

فرد عليه قائلاً : وفي أكثر من ذلك لو كنت تدري

وأنا أخبرك ما تفعل الباء أو ما لا تفعل

الباء لا تعرف أصول الحكم على المعين بكفر أو بإسلام
ولا تعرف الكفر بالطواغيت
ولا تُدخل الجنة
ولو كانت تنفع لنفعت أبا جهل وأبا لهب

جايب 7/1 في الامتحان

وجاي تتشفى من الباء والياء
خذ راحتك يا رجل
أنا مادد رجلاي من زمان

فيقال له : بلى تفعل كل هذا ، فكيف ستعرف كل هذا إذا لم تعرف الجار من المجرور ؟؟ ولم تتوقف عند هذا بل افتخرت برسوبك في الاختبارات وكأنها منقبة تُحمد عليها ؟؟!!
وهذا مثال واحد والاعتداءات على اللغة من هذا القبيل كثير ، بل إنني والله أحصيت مرة أكثر من تسعة أخطاء في عنوان موضوع يتكلم صاحبه في عدد من موضوعاته عن الكفر والإيمان ويحكم بكفر وإيمان ويُخرج من الدين ويدخل فيه ، ويوالي على ما يفهم ويُعادي ، بل يستنبط ويؤصِّل ، وهذا باقعة فاقعة .
ولهذا على كل متكلم في أي من العلوم أن يُحسن ويُتقن اللغة العربية ، قد يخطئ أحياناً لا بأس بذلك ومن ذا الذي يخلو من الخطأ ؟؟!! لكن أن يكون الخطأ مصاحبه وهو الأصل فهذا مما لا يُطاق ويُراد لفاعله أن يكف عن تسويد الصفحات ويطلب العلم من جديد .

وبعد : فهذه كلمات تبين شرف وأهمية اللغة العربية وضرورة إتقانها ، وعكس ذلك مما يُزري بالقائل والكاتب ، ولهذا عندما يُنبه أحد الأخوة على خطأ في اللغة فيجب أن يشكر من نبهه لا أن يسخر منه ويُزجر ، فمن ذلك أخطاء الإملاء ، وأخطاء النحو والإعراب ، ويشتد الأمر إن كان الكاتب ممن يتصدى لمسائل الفقه الإفتاء ، وقد أجمع الفقهاء على ضرورة إتقان اللغة والنحو والإعراب ، وإلا فنحن على شفا انحدار لا يعلم قعره إلا الله ، لإهمالنا بل واستهزائنا من العلوم التي تؤهل للخوض في غيرها ، وكما قلت فكل العلوم مفتقرة إلى اللغة ، لذا ليس من العريب أن تحج في كل علم اشتراط إتقان اللغة للمتكلم فيه ، والتحذير من الخطأ واللحن للمنتسب إليه ، والله الموفق .

جزاك الله خيرا أبا الفداء موضوع مهم جدا ... وفعلا علينا أن نجعل اللغة العربية من أولى المواد التي يجب تعلمها بل واتقانها واكتساب الخبرة بها لأنها لغة القرآن الكريم بها نزل الوحي.. فأسأل الله أن يرد إلينا عربيتنا
بارك الله فيك

وفيك بارك الله
شكرا على مرورك وتعليقك

جزاك الله خيرا اخي
اللغة العربية وعاء الدين ، فلم الاستخفاف بها والازدراء ؟؟! Latansazikrhw6

وجزاك أيضا يا أخي
مشكور على المرور والتعليق