الناقض العاشر</SPAN> </SPAN></SPAN>من نواقض الإسلام؛ الإعراض عن دين الله تعالى
</SPAN>
</SPAN></SPAN>
المؤلف</SPAN> </SPAN></SPAN>: سليمان بن ناصر</SPAN> </SPAN></SPAN></SPAN>العلوان</SPAN>
</SPAN>
</SPAN></SPAN>
قال رحمه الله: ((الإعراض عن دين الله تعالى؛ لا يتعلمه، ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [105])).
والمراد بالإعراض الذي هو ناقض من نواقض الإسلام: هو الإعراض عن تعلم أصل الدين الذي به يكون المرء مسلماً، ولو كان جاهلاً بتفاصيل الدين؛لأن هذا قد لا يقوم به إلا العلماء وطلبة العلم.
وقد سُئل العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن الإعراض الذي هو ناقض من نواقض الإسلام؟
فأجاب: "إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتاً عظيماً، وتفاوتهم بحسب درجاتهم في الإيمان إذا كان أصل الإيمان موجوداً، والتفريط والشرك إنما هو فيما دون ذلك من الواجبات والمستحبات، وأما إذا عدم الأصل الذي يدخل به في الإسلام، وأعرض عن هذا بالكلية؛ فهذا كفر إعراض، فيه قوله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ... الآية) [106]، وقوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً... الآية) [107].
قال الشيخ العلامة سليمان بن سحمان: "فتبين من كلام الشيخ أن الإنسان لا يكفر إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام، لا بترك الواجبات والمستحبات" [108].
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين": "وأما الكفر الأكبر؛ فخمسة أنواع".
فذكرها، ثم قال: "وأما كفر الإعراض، فأنه يُعرض بسمعه وقلبه عن الرسول؛ لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغى إلى ما جاء به البتة" اه كلامه.
ومن هذا البيان لمعنى الإعراض يتبين لك حكم كثير من عباد القبور في زماننا هذا وقبله؛ فإنهم معرضون عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إعراضاً كليًّا بأسماعهم وقلوبهم، لا يصغون لنصح ناصح وإرشاد مرشد، فمثل هؤلاء كفار لإعراضهم.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [109].
ولا يقال: إنهم جهال فلا يكفرون لجهلهم؛ لأنه يقال: إن الجاهل إذا بُيِّن له خطؤه؛ انقاد للحق، ورجع عن الباطل، وهؤلاء مصرون على عبادتهم الأوثان، ولا يصغون لكلام الله ولا لكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويصدون عن إرشاد الناصحين صدوداً، ولعلهم يتعرضون بالأذى لمن أنكر عليهم أباطيلهم وفجورهم، فقد قامت عليهم الحجة؛ فلا عذر لهم سوى العناد.
قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [110]. </SPAN></SPAN>
</SPAN>
</SPAN></SPAN></SPAN>* * *</SPAN> </SPAN>
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم كما في "الصحيح" من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار).
والإعراض عن دين الله الذي يكفر به صاحبه؛ هو الإعراض عن تعلم أصل هذا الدين، فالإعراض عن دين الله والترك والرفض له، بأن يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، فيكفر بهذا الإعراض والترك، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}، وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.
وقد نفى الله الإيمان عمن لم يأت بالعمل وإن كان قد أتى بالقول، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَْشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}.
والتولى والإعراض ليس هو التكذيب، قال تعالى: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}، فجعل التولي مقابلاً للعمل لا مقابلاً للتصديق، فالتولي والإعراض هو التولي عن الطاعة والإعراض عنها.
وكما أن الكفر يكون بالاعتقاد ويكون بالجحود ويكون بالفعل ويكون بالقول، فكذلك يكون بالإعراض والترك والرفض.
والإعراض عن دين الله، لا يتعلمه، ولا يعمل به، ولا يبالي بما ترك من المأمورات، وما يقترف من المحرمات، ولا بما يجهل من أحكام، يلزم منه لزوماً ظاهراً ويدل دلالة ظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين باطناً ولو أقر بهما ظاهراً.
والمكلف لا يخرج من ناقض الإعراض المستلزم لعدم إقراره بالشهادتين بفعل أي خصلة من خصال البر، وشعب الإيمان، فإن من هذه الخصال ما يشترك الناس في فعله، كافرهم ومؤمنهم، كالإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف، وإماطة الأذى عن الطريق، وكف الأذى، والصدقة، وبر الوالدين، وأداء الأمانة.
وإنما يتحقق عدم الإعراض عن دين الله، والسلامة من هذا الناقض؛ بفعل شيء من الواجبات التي تختص بها شريعة الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، كالصلاة والزكاة والصيام والحج، إذا فعل شيئاً من ذلك إيماناً واحتساباً سلم من الإعراض المخرج له عن دين الله.
قال شيخ الإسلام بن تيمية في "المجموع" [7/621]: (فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم) انتهى.
والإعراض عن دين الله تعالى؛ إعراض مخرج من الملة، وإعراض لا يخرج من الملة:</SPAN>
فالإعراض المخرج من الملة؛ هو ما قصده العلامة محمد بن الوهاب هنا - وقد تقدم بيانه -
والإعراض الذي لا يخرج من الملة؛ هو أن يكون مع المرء أصل الإيمان، لكنه يعرض عن فعل واجب من الواجبات.
والمعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به؛ لا يعذر بجهله الذي يستطيع رفعه، وإلا لكان الجهل خيراً من العلم.
قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" [1/43]: (كل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد أن يقول يوم القيامة: {يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنك بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}، فإن قيل: فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}؟ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله من أهل الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ظن أنه مهتد، فإنه مفرِّط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أُتي من تفريطه وإعراضه، وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكم آخر، والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول، وأما الثاني؛ فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه) انتهى. </SPAN>
</SPAN></SPAN>