إن من أعظم المصائب التي حلت بالأمة في هذا الزمان تركها لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الشعيرة التي هي صمام الأمان لهذه الأمة ومفتاح وحدتها وسعادتها في الدارين كما قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَّدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُؤلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، يقول ابن عثيمين رحمه الله معلقًا على آخر الآية: ( وهذه الجملة تفيد عند أهل العلم باللغة العربية الحصر، أي الفلاح إنما يكون لهؤلاء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الخير)(1).
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي ‘ قال: ((والذي نفسي بيده؛ لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم))(2).
إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوجب على الأمة عقوبات ربانية ويورث فسادًا اجتماعيًا واقتصاديًا خطيرًا فضلاً عن تسلط الأعداء على رقاب المسلمين.
(إن من أنكى العقوبات التي تنزل بالمجتمع المهمل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يتحول المجتمع إلى فرق وشيع تتنازعها الأهواء فيقع الاختلاف والتناحر {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَّبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَّيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضَ}، وذلك التناحر يجعل المجتمع عرضة للانهيار والانهزام أمام العدو الخارجي المتربص)(3).
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد إيراد قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}: (والنهي عن التفرق بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدل على أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببٌ للتفرق)(4).
وبعد.. فإن الواجب على طلبة العلم والدعاة أن ينتبهوا إلى أهمية هذا الأمر، وأن يربوا الأجيال على هذا الأمر العظيم وأن يوجدوا برامج عملية لإحياء هذه الشعيرة في القلوب وترجمتها على الواقع بالوسائل المتاحة.
إنَّ مما يؤسف لـه أن تجد بعض الدعاة ينظِّر في الدعوة في المساجد والمجالس ويجمع الشباب حوله في المنتديات وكثير من اللقاءات، وربما يتحدث عن كل شيء وينسى تربية الشباب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.
بل إن البعض يُبدع في إيجاد برامج تربوية وبرامج إدارية، ولم يضع في قاموسه يومًا من الأيام إيجاد برنامج لإحياء هذه العبادة العظيمة، وربما يخرج الداعية أو طالب العلم من دورته أو من درسه ويرى شبابًا أمام أحد المساجد لا يصلون فيتركهم ويذهب يسارع الخطى لأداء الصلاة متجاهلاً الموقف ومتناسيًا دوره في المجتمع.. فأين القلوب الحية؟!
فهل تعود الأمة إلى منهج السلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك عن طريق نصح الناس في الطرقات والأسواق والمؤسسات، وإيجاد برامج لنشر الخير ودفع المنكرات، وما تزال المكاتبة والمناصحة الشفهية والهدايا والأشرطة وغيرها متاحة أمامنا فضلاً عن الثورات الحديثة في الاتصالات والمواصلات، لكننا هجرناها وانشغل بعضنا ببعض، فانحسر الخير في واقع الناس، وانتشر الفساد انتشار النار في الهشيم.
أيها الأخوة؛ لقد قامت الحجة على الأمة بعدما استطاع الأعداء اختراق مجتمعات المسلمين، بل الأعظم من ذلك أنهم تمكنوا من مداهمة الأسر في بيوتها فحولوا المجالس والغرف قاعات للسينما يُعرض فيها مشاهد تشيب منها رؤوس الولدان، أما استباحة الحرام والغزو الثقافي فقد أصبحت أولوية لأعداء الإسلام خصوصًا في ظل العولمة والمتغيرات العالمية، فهل يدرك الدعاة خطورة الأمر فيهبوا لنصرة الدين وحماية شرع رب العالمين؟ أرجو ذلك.
كيف تطيب لنا الحياة ونتمتع بالدنيا ونحن نرى الأمة تنحر أمام أعيننا والأخلاق تذبح بسكين الأعداء، قال علي رضي الله عنه: (أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة؛ لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ألا يقارُّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم؛ لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عتر).