السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( إلا المجاهرين )
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وكذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ". أخرجه البخاري 8/24(6069) ومسلم 8/224 .
فالنفس متى ألفت ظهور المعاصي ، زاد انهماكها فيها ، ولم تبالي باجتنابها ؛ لذا حذر الشرع المطهر من مجاهرة الله بالمعصية ، وبيّـن الله تعالى أن ذلك من أسباب العقوبة والعذاب ؛ فمن النصوص الدالة على ذلك قوله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور:19.
هذا الذم والوعيد فيمن يحب إشاعة الفواحش ، فما بالك بمن يشيعها ويعلنها.
إذَا رُزِقَ الْفَتَى وَجْهًا وَقَاحًا *** تَقَلَّبَ فِي الأمور كَمَا يَشَاءُ
وقوله تبارك وتعالى: " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ "الروم: 41.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) ، بأن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي ، وقال أبو العالية: ( من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة ) تفسير ابن كثير:3/576.
قال النووي رحمه الله: "يكره لمن ابتُلي بمعصية أن يُخبر غيره بها"، يعني: ولو شخصًا واحدًا، بل يُقلع عنها ويندَم ويعزم ألا يعود، فإن أخبر بها شيخَه الذي يعلّمه أو الذي يفتيه أو نحوَه من صديق عاقلٍ صاحب دين مثلاً، يرجو بإخباره أن يعلّمه مخرجًا منها، أو ما يَسْلَمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرّفه السببَ الذي أوقعه فيها، فهو حسن، وإنما يحرُم الإجهار حيثُ لا مصلحة
والمجاهرة بالمعاصي دليل على نزع الحياء من المرء الذي هو لب الدين وخلقه ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا ، وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ).أخرجه ابن ماجه (4181) .
قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية ، فليس لنفسه عنده قدر.
إن الحياء تمام الكرم، وموطن الرضا، وممهِّد الثناء، وموفـّـر العقل، ومعظم القدر.
قال ابن القيم رحمه الله: "الذنوبُ جراحاتٌ، ورُبَّ جرحٍ وقع في مقـْـتَلٍ، وما ضُرب عبدٌ بعقوبةٍ أعظمَ من قسوةِ القلبِ والبعدِ عن اللهِ، وأبعدُ القلوبِ عن الله القلبُ القاسي"
ورحم الله أبا العتاهية ، حين تخيل لو أن للذنوب رائحة كريهة تفوح فتفضح المذنب كيف يكون حالنا؟ وكيف أن الله قد أحسن بنا إذ جعل الذنوب بلا رائحة ، فقال:
أحسَنَ اللهُ إليْنا ... أنَّ الخَطايا لا تَفوح
فإذا المرْءُ منَّا ... بين جَنبيْه فـُضُوح
وقال الحارث المحاسبي رحمه الله: "اعلَمْ يا أخي أنَّ الذُّنوبَ تورِثُ الغَفْلةَ ، والغفلةُ تورِثُ القسوةَ، والقَسوةُ تورِثُ البعدَ من اللهِ ، والبعدُ منَ اللهِ يورثُ النارَ ، وإنما يتفكَّرُ في هذا الأحياءُ ، وأما الأمواتُ فإنَّهم قد أَماتُوا أنفسَهم بحُبِّ الدُّنْيا".
قال أحد السلف: "قد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه ، فلا ندري أيهما نشكر !! أجميل ما ينشر؟ أم قبيح ما يستر؟"