الطفل مرآة المجتمع، تعبير صادق عن تطوره، تقليد أعمى لكل ما تقع عليه عيناه، وما بين التقليد والتفكير تظهر آلاف الأسئلة. وفي سنوات الطفولة يتمتع الطفل بخيال واسع يختلط فيه الواقع بالخيال فتبدو أسئلته ساذجة ولكنها في الحقيقة أسئلة هامة وعلى أساسها يتكون عقل الطفل، ومن خلال طريقة الإجابة عن هذه الأسئلة يتحدد مستقبل هذا العقل.
أطفال الإنترنت
وهناك أسئلة متكررة على مر الأجيال وأسئلة أخرى متجددة تمشيا مع التطور الطبيعي للحياة، فطفل الإنترنت والفضائيات يختلف بأسئلته عن أطفال الستينيات والسبعينيات وما قبلها، وإن اتفق الجميع على أول سؤال يسأله الطفل لأمه "ماما.. من أين جئت؟".
ورغم بساطة السؤال فإن بعض الأمهات يجبنه في سخرية: قمنا بشرائك من "السوبر ماركت"!، وأخريات يحاولن شرح المسألة في شكل قصة جميلة تختلط فيها الحقيقة بالخيال، وما بين الطريقتين هناك عشرات الأسئلة الأخرى التي تصنع النماذج المختلفة من الأطفال الذين سيصبحون بعد سنوات قليلة شباب المستقبل. ومرحلة ما قبل المدرسة هي مرحلة التفكير والأسئلة، فقد تحكي لرجل قصة ولا يجادلك ويحكيها لغيره كما هي، أما الطفل فالوضع مختلف لديه فلا يوجد عنده مسلمات وبدهيات وإنما لديه: لماذا، وكيف وماذا بعد؟... وغيرها من الأسئلة. وإذا حكاها لغيره قام بتغيير القصة تماما وأضاف عليها من خياله ما يجعلك تنسى القصة الحقيقية. وتختلف أسئلة الأطفال باختلاف المجتمع الذي يعيشون فيه والمعلومات التي يتلقونها من المحيطين بهم.
عم يتساءلون؟
من أهم الأسئلة التي تقف أمام الطفل وتشغل تفكيره ما يلي:
كيف يرانا الله، هل لديه عينان مثلنا؟
ماما ستحضر لي أخا جديدا من أين ستأتي به؟
كيف يعذب الله الشيطان في النار وهو مخلوق من النار؟
ما شكل العفريت وكيف يأكل الأطفال؟
كيف تطير الطائرة وكيف يطير العصفور في السماء؟
ما شكل الله وكيف يعيش في السماء؟
كيف تعيش جدتي (المتوفاة) في السماء؟
كيف يدخل الناس التليفزيون وهو صغير الحجم؟
أنا أحب الشيكولاتة هل في الجنة شيكولاتة؟
الإجابة مسئولية
سأل الحفيد والدته عن جدته، فقالت الأم: صعدت السماء عند ربنا. وبدون تفكير قرر الطفل الصغير الذهاب لجدته فقفز من الشرفة ليصعد السماء بدون عودة! إن ما حدث هو -ببساطة- نتيجة متوقعة لإجابة خاطئة استهانت الأم فيها بعقل طفلها. أن الطفل هو حصيلة ثقافة المحيطين به، فإذا نظرنا إلى طفل القرية والبدو نجد أن مستوى معلوماته ما زال محدودا فمصدر ثقافته الوحيد هو الأسرة والأصدقاء، بخلاف طفل المدينة والحضر الذي يعيش في مستوى اجتماعي معين يستخدم الكمبيوتر ويلعب بأحدث ألعاب "الفيديو جيم" ويفكر في ماهية هذه الألعاب وتكوينها وتأخذه الرغبة في فكها وإعاده تركيبها بنفسه.
وعند الإجابة عن أسئلة الطفل يجب الانتباه إلى عدة نقاط، منها:
خصائص المرحلة التي يمر بها الطفل.
درجة ذكاء الطفل وعدم الاستهانة به.
المكونات التي تحيط بالطفل والتعامل معها.
عدم اعتبار الطفل كثير السؤال ثرثارا، وإنما اعتباره طفلا ذكيا متأملا لما حوله ويريد أن يعرف.
عدم الحرج من أسئلة الأطفال المحرجة ولا مانع من الاعتراف للطفل بعدم معرفتك للإجابة مع وعد بالبحث عن الإجابة الصحيحة وإبلاغه بها.
طفل ما قبل المدرسة
" أن من أهم خصائص المرحلية العمرية لطفل ما قبل المدرسة ما يلي:
وجود فروق بين الجنسين فبالنسبة للعب يميل الذكور إلى التعبير العضلي في اللعب، كألعاب القوى والمصارعة، بينما تميل الإناث إلى اللعب الذي يتطلب الدقة والمهارة والترتيب.
أما عن خيال الطفل في هذه المرحلة، من الملاحظ أنه يبدأ من الواقع ولكنه لا يلتزم بأي قيود.
يوجد قصور في إدراك البعد الزمني، فهو يريد إشباع حاجاته عاجلا وبدون تأخير.
يحدث تطور في اللغة إلى جمل أطول.
من مكونات النمو الانفعالي لدى الطفل في هذه المرحلة: الخوف، الغضب، الغيرة، الاستطلاع الجنسي، التعرف على عواطف الآخرين وتفهمها، والبعض يسمي هذه المرحلة بمرحلة الطفولة الصاخبة حيث يكون الفرح بشدة والغضب بعنف وثورة وحيث التقلب الفجائي.
ويميل الطفل إلى كثرة الأسئلة في هذه المرحلة.
لماذا يسأل الطفل؟
لكن لماذا يكثر الطفل من التساؤلات في هذه المرحلة؟
أرجع العلماء ذلك إلى الأسباب التالية:
- رغبة الطفل في الاستطلاع والاكتشاف.
- حاجة الطفل إلى الفهم.
- حاجة الطفل إلى المشاركة وتأكيد الذات.
- الرغبة في تقليد الكبار.
- نمو القدرة اللغوية.
والإجابة عن أسئلة الطفل تحقق له توازنا نفسيا، وتزيد من قدرته على التفكير، وفهم الآخرين واحترام الذات، وفهم العادات والتقليد المحيطة به ويحترمها الجميع.
كيف نجيب؟
أن القدرة على طرح أسئلة جديدة مكون أساسي في الذكاء والإبداع، ويجب أن ندرك أن تعليم الأطفال كيف يسألون، ومتى يسألون، وعم يتساءلون أهم من تعليمهم كيف يجيبون على أسئلة الآخرين، وهذا يتطلب اتجاهًا مؤيدًا إيجابيًّا نحو الطفل ونحو السؤال الذي يطرحه.
سبعة مستويات للإجابة على أسئلة الطفل:
1. المستوى الأول: رفض السؤال
كأن تكون الإجابة قول الوالدين: توقف عن هذه الأسئلة، لا تكن كثير التساؤل، لا تزعجني بأسئلتك... إلخ، وهنا تصل إلى الطفل رسالة تحمل له أمرا بالصمت، فالأسئلة مصدر إزعاج وبتكرار هذه الإجابة يتعلم الطفل عدم توجيه أسئلة أي "يتعلم أن لا يتعلم".
2. المستوى الثاني: إعادة صياغة السؤال (التهرب)
في هذا المستوى لا يقدم المجيب إجابة حقيقية، فعلى سؤال لماذا لا نرى الله قد يجيب: الله ربنا ونحن لا نرى ربنا.
3. المستوى الثالث: إعطاء إجابة مباشرة أو الاعتراف بالجهل
وهنا تتاح للطفل معرفة شيء جديد، أو قد يتبين أن والديه أو معلّمه لا يعرف كل شيء، وكلاهما إجابة معقولة ومقبولة في بعض المواقف، ولكن ليست متنوعة
هنا يقر المجيب بأنه لا يعرف الإجابة، ويطلب من الطفل اقتراح ما يراه تفسيرًا مناسبا أو إجابة مناسبة، والوضع الأمثل أن يشترك المربي والطفل في البحث حتى يتوصل إلى بدائل متعددة للإجابة عن السؤال.
أفضل الإجابات
4. المستوى الرابع: تشجيع الطفل على البحث عن الإجابة من مصادر موثوق بها
كأن تكون الإجابة: سوف أبحث عن إجابة سؤالك في كتاب التفسير أو كتاب العقيدة، أو: لماذا لا تسأل فلانًا فقد درس هذه الأمور؟ وهنا يتعلم الطفل أن المعرفة التي لا يمتلكها يستطيع الحصول عليها ببذل الجهد والسعي.
5. المستوى الخامس: تقديم تفسيرات
كأن يقوم المربي بالإجابة المباشرة عن موضوع السؤال.
6. المستوى السادس: تفسير أو إجابة السؤال وتقييم الإجابة
وهنا لا يكتفي المجيب بتشجيع الطفل على التوصل لبدائل متنوعة، ولكن يناقش معه طرق تقييم مصداقية كل بديل.
7. المستوى السابع: التوصل لتفسير وتقييم التفسير ومتابعة التقييم
هنا يسعى المجيب لتشجيع الطفل على القيام بتجربة، وجمع الإجابة من الكتب والمصادر، وبذلك يتعلم الطفل التفكير والبحث بنفسه عن الإجابة.
ولا بد من التنبه إلى أنه قد لا يتاح للمربي أن يصل إلى المستوى السابع إما لضيق الوقت أو لقصور المصادر أو لعدم مناسبة هذا المستوى لعمر الطفل، وهنا يختار المربي المستوى المناسب للموقف، وفي ذهنه حقيقة أساسية أن المستويات الأعلى أكثر فاعلية في تنمية المهارات المعرفية والذكاء.
أن أسئلة الأطفال تختلف حسب المرحلة العمرية للطفل، فمثلا ينتقل الطفل من أسئلة ما هذا إلى أسئلة كيف هذا إلى أسئلة لماذا هذا بعد ذلك، والطفل الذكي هو طفل كثير الأسئلة وان اعتبره أهلة ثرثارا، والمسألة تتعلق بفهم الوالدين وطريقة تعاملهما مع أطفالهم أكثر ما تتعلق بالأطفال.
وأما تجاهل أسئلة الطفل فيؤدي بعد فترة قد تطول أو تقصر إلى أن يسأل الطفل الغرباء الذين لا نستطيع دائمًا أن نثق فيما يقولون للطفل، وقد يتحول إلى شخص كتوم لا يعبر عن رغبته في المعرفة تحاشيا للتفاعلات غير المرغوبة فيها من الآخرين.