أحداث غزة...والحديث في غير المسموح !!
نشرت صحيفة القبس لكاتب هذه السطور، في يوليو 2007، في الذكرى الأولى لحرب تموز- لبنان ما يلي: "نعم، يجب الخروج عن قواعد الواقع السياسي الحالي المفروض على المسلمين، قواعد اللعبة التي تحكم حركة المسلمين العملية، والتي وان كانت حركة مخلصة، لكنها ستكون حركة مخلصة في ظل وضع خاطئ. قواعد اللعبة التي من مفرداتها ما يسمى بالمجتمع الدولي ومجلس أمنه، والحدود الشاذة التي رسمها الاستعمار لتشكيل الدول الوطنية، والافكار والقوانين القائمة على فصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع، كالديموقراطية والرأسمالية، والأنظمة التي صنعها الغرب على عين بصيرة وأناط بها مسؤولية الحفاظ على الوضع القائم، وغير ذلك من مفردات."
وها هو اليوم، السيناريو يتكرر، وردات الفعل على جرائم غزة، تدور مع الأسف الشديد في ذات الفلك، وتحت ذات السقف، وبجانب ذات الحائط!
إن النشاط السياسي والاجتماعي والتعبوي العام لا يرتق البتّة إلى مستوى الحدث. فجزء واحد من الحدث، وهو دم مسلم واحد أعظم حرمة من هدم الكعبة حجراً حجراً، وكما جاء في الحديث عن الرسول عليه السلام "والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا". فهل هذه الدماء الطاهرة المهراقة على مذبح غزة – وغيرها – يوازيها طلب لانعقاد اجتماع لرؤساء العرب مكرر ومملول؟! أم هل توازي أطنان الأدوية والأغذية أطنان المتفجرات التي تلقى على رؤوس المسلمين في غزة؟ وماذا ستفعل الشموع لطفلة سقطت بين يدي أمها وأبيها؟
إن هذا السقف المنخفض للمطالبات يرتبط في جزء كبير منه بفلسفة ومذهب فكري شائع، هو البراغماتية أو ما يمكن تسميته "الجبرية الحديثة"، وعنوانه بالعامية "خلّك واقعي"! هذا المذهب يرغم أتباعه و"مريديه" على أن يروا علاج المشكلات بمنظار "شيخهم" الواقع الدولي والإقليمي، وما هو ممكن ومتاح، وليس بما هو يجب أن يكون. هذا المذهب يقتضي نسبية المواقف والخضوع لإرادة القوي، وتحوّل ما كان بالأمس القريب مرفوضاً رفضاً باتاً، يحترق من يقترب منه بنار التخوين والعمالة، إلى القبول التام والسقف الأعلى للتطلعات، إن كان ثمة تطلعات. وشاهد ذلك التحول الدراماتيكي للاءات الخرطوم الثلاث إلى القبول بالسلام مع (إسرائيل) كخيار استراتيجي أوحد ووحيد، من يبتعد عنه قيد أنملة يتحرق بنار المثالية والخيالية الرجعية.
ومن مظاهر هذه البراغماتية (الجبرية الحديثة) "الديبلوماسية الفقهية" التي تلحن ولا تصارح!! غريب أمر هذه الديبلوماسية التي أمضى أصحابها السنون الطوال في حفظ المتون والتنظير والتأصيل، غريب أمرها عندما يغيب عنها أبجديات أحكام الجهاد ورد العدوان. أليس الحكم الشرعي في مثل هذه الحالة هو وجوب الجهاد؟ لماذا الحديث عن الدعاء والتبرعات والأدوية وعن كل شيء، كل شيء، إلا الجهاد الذي تمارسة الجيوش المدربة والمسلحة بشتى أنواع العتاد؟! إن القبول بالأمر الواقع، والقبول بالخيارات الذي تحددها الأنظمة، لن يخرجنا من حلقات الدماء. فالجرائم في تاريخنا المعاصر لا يمكن حصرها، ولكن بالتأكيد يمكن حصر ردات الأفعال الموازية؛ قانا ومسيرات، جنين وتبرعات، أحمد ياسين ومهرجانات، أبو غريب ومناشدات، غوانتانامو وقضايا حقوق إنسان، وهلم جرّاً.
جل ّ إن لم يكن كلّ أبناء الأمة لا يعرفون تفاصيل القضية الفلسطينية، ولكن الذي يعرفونه هو أن المسجد الأقصى محتل من قبل يهود الوارد وصف حقيقتهم في القرآن الكريم. والأمة نزلت الى الشوارع، فلم تضييع فرصة تفعيل دور الامة وتحديد مسؤوليتها لتحرير المسجد الاقصى بإزالة كيان (إسرائيل) المغتصب، بدلاً من تلقين الناس مطالب لا تتسق وحجم الحدث.
وياله من فرق بين دفع العدوان ووقفه، وفتح المعبر وكسره.
لقد تبين بما لا يدع مجال للشك، أن أقصى قدرة للحركات المجاهدة في فلسطين هي في إيلام العدو الغاصب ومقاومته والصبر على ذلك. وأي عاقل يعلم علم اليقين أنّ غزّة لا ينقذها إلا جيش أو جيوش، وأن الأسير بحاجة الى التحرير، والتحرير الكامل لا تقوم به إلا الجيوش.
واجب الدفاع عن الأمم والشعوب، وواجب تحقيق مصالحها تقوم به الجيوش وليس ربات الخدور. والذي يواجه الدبابة الاسرائيلية يجب أن يكون دبابة مثلها أو أقوى منها، جيش.. وليس صدر طفل أعزل!
إن قواعد التفكير والحركة السياسية يجب أن تتغير، والحديث عن حل المشكلة جذرياً لا بد أن يكون جذريًا حقًا،
فالقضية في الأساس هي في وجود كيان مغتصب لفلسطين، وفلسطين ليست هي قضية أهل فلسطين أو العرب وحدهم، بل هي في واقعها قضية إسلامية، وليست هي كذلك أراض الـ67 أو معابر أو حواجز أو قدس شرقية وغربية...إلخ، إنها ببساطة قضية أرض إسلامية وقضية مقدسات إسلامية اغتصبها اليهود بمؤازرة من دول الغرب، وعلى رأسها بريطانيا وأميركا. وإن من يظن أن في الاعتماد على الغرب وتحركاته السياسية وإرسال المبعوثين يغدون ويروحون نفعاً لقضايا الأمة، يكون واهماً مخدوعاً، هذا مع افتراض حسن النية في من يظن، فكيف بمن يعتمد على الغرب ويواليه، يداوي عامداً بالتي كانت هي الداء؟ لذا كان واجباً تجاوز تشكيلات المجتمع الدولي و "شرعيته"، فهي ذات الشرعية التي أوجدت كيان (إسرائيل) وهو ذات المجتمع الدولي الذي يرعى كيان (إسرائيل). ويجب كذلك تجاوز التشكيلات الإقليمية بمختلف عناويناه وأسمائها، فالواقع يشهد على عجزها.
إنّه لمما يدمي القلب ويحيّر العقل أن لا تكون الأمّة الاسلامية طرفاً في هذا الصراع. فهذه الأمّة هي ربع سكان الأرض، ولديها معظم ثروات الارض، وتحت أقدامها جميع الممرات المائية والبرية الهامة في الأرض، ولديها خمسة وستون بالمائة من شباب الارض، ولديها قبل كل شيء عقيدة واحدة صحيحة هي عقيدة الاسلام. أمّة كهذه يجب أن يكون وزنها ثقيلاً، فلماذا ليست هي طرفاً فيه؟ ولماذا يكون تأثيرها صفراً مطلقاً في أية قضية من قضايا العالم فضلاً عن قضاياها هي؟
السبب هو في اختطاف الإرادة السياسية الواحدة للأمة، ولا سبيل إلى الخروج من هذا الكابوس والمأزق الحضاري إلا باستعادة إرادة الأمة من خلال دولة مركزية تحمل عقيدتها، وتطبق نظامها، وتوحد صفوفها، وتدافع عنها. بغير هذا لن تنصر غزة، ولن ينصر العراق، وأفغانستان، ولن تغاث امرأة مسلمة استصرخت حميّة المسلمين فلم يجيبوها.
أسامة الثويني
الكويت
بارك الله في الاخ اسامة على حسن توصيفه ووعيهالتعليقيا جيوش المسلمين ... ما الرقم المطلوب حتى تتحرّكوا ؟
يا جيش مصر ... يا جيش سوريا
يا جيش تركيا ... يا جيش السعودية
يا جيش باكستان
ما الرقم المطلوب من الشهداء والجرحى حتى تتحركوا ؟