بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين ، قيوم السماوات والأراضين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين ، المبعوث رحمة للعالمين ، بلسان عربي مبين ، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه جملة من الأحاديث التي تدور على ألسنة الناس في شهر رمضان ، وخاصة الوعاظ والخطباء وينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي لا تصح عنه ،وقد ذكرتها هنا مع بيان سبب ضعفها نصحا للجميع وهذه الأحاديث هي :
1 – " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ، نظر الله عز وجل إلى خلقه ، وإذا نظر الله عز وجل إلى عبده لم يعذبه أبدا ، ولله عز وجل في كل ليلة ألف ألف عتيق من النار "
هذا الحديث موضوع لأن في سنده عثمان بن عبد الله الشامي أحد الوضّاعين ، ورواه بن الجوزي في ( الموضوعات ) ، ثم قال : " موضوع ، فيه مجاهيل ، والمتهم به عثمان " .
2- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : " اللهم لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، الله تقبل منا ، إنك أنت السميع العليم " ويروى : " اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت .." .
هذا الحديث ضعيف وقد ورد من حديث بن عباس ، وأنس ، ولا يصح ، إذا كل طرقه ضعيفة ضعفا لا يتقوى ، وهو كما قال بن القيم في " الزاد " : لا يثبت .
3- " إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد " .
قلت : حديث ضعيف ، رواه بن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد ضعف العلامة الإمام المحدث الشيخ الألباني رحمه الله في "الإرواء" 4/41 .
4- " أول شهر رمضان رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار " .
حديث منكر ، رواه العقيلي ، وبن عدي ، وفي سنده رجلان ؛ أحدهما منكر الحديث ، والآخر متروك .
5- " خمس تفطر الصائم ، وتنقض الوضوء : الكذب ، والغيبة ، والنميمة ، والنظر بالشهوة ، واليمين الفاجرة " .
حديث موضوع ؛ رواه بن الجوزي في الموضوعات وقال :" موضوع " ، ومن قبله قال أبو حاتم : هذا حديث كذب .
6- " صائم رمضان في السفر ، كالمفطر في الحظر "
حديث منكر ؛ وقد رواه ابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن عوف ، وقد ضعفه العلامة الألباني رحمه الله في الضعيفة ( 1/498/505 ) .
7- " الصائم في عبادة ، ما لم يغتب " .
حديث منكر ؛ وقد رواه اين عدي في الكامل وجعله من منكرات عبد الرحيم بن هارون الغساني ، وقد كذبه الدارقطني .
8- " صوموا تصحوا " .
قلت : هذا الحديث ضعيف ؛ وقد قال العراقي : رواه الطبراني في :"الأوسط " ، وأبو نعيم في " الطب " من حديث أبي هريرة ، بسند ضعيف .
9- " لكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد الصوم " .
حديث ضعيف ؛ وقد رواه بن ماجه وغيره ، من حديث أبي هريرة ، ورواه بن الجوزي في " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " من حديث سهل بن سعد ، وقال بن الجوزي : هذا الحديث لا يصح .
10- " من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له ، لم يقض عنه صيام الدهر كله ، وإن صامه ".
حديث ضعيف : علقه البخاري بصغية التمريض ، ورواه أبو داود وغيره .
11- " من صام رمضان ، وعرف حدوده ، وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه ، كفر ما قبله " .
هذا حديث ضعيف : رواه أحمد ، وفي سنده راوٍ مجهول .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب :
العبد الفقير إلى عفو ربه
قصة مشهورة لكنها لا تصح
بسم الله الرحمن الرحيم
تروى هذه القصة :
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ ، وهذا لفظها ؛ قال : كنا يوما جلوسا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال : يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة . قال : فاطلع رجل من أهل الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال، فسلم ، فلما كان الغد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل مقالته أيضا ، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول ، فلما قام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبعه عبد الله بن عمروا بن العاص فقال : إني لاحيت أبي ؛ فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت . قال : نعم . قال أنس : كان عبد الله يحدث أنه بات معه ثلاث ليال ؛ فلم يره يقوم من اللليل شيئا غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه ، وذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر ، قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا ، فلما مضت الثلاث ، وكدت أحتقر عمله ، قلت : يا عبد الله ! لم يكن بيني وبين والدي هجرة ولا غضب ، ولكني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول ثلاث مرات : يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة . فاطلعت ثلاث مرات ، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك ، فأقتدي بك ، فلم أرك تعمل كبير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت . قال : فانصرفت عنه . فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت ؛ غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشا ، ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه إليه . فقال عبد الله : هذه التي بلغت بك هي التي لا نطيق . قال المنذري : رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم ، والنسائي ، ورواته احتجا بهم أيضا ، إلا شيخه سويد بن نصر ، وهو ثقة ، وأبو يعلى والبزار نحوه ، وسمى الرجل المبهم سعدا
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى :
قلت : هو كما قال ، لولا أنه منقطع بين الزهري وأنس ، بينهما رجل لم يسم ، كما قال الحافظ حمزة الكناني على ما ذكره الحافظ المزي في ( تحفة الأشراف ( 1 / 395 ) ثم الناجي ، وقال ( 198 / 2 ) : " وهذه العلة لم ينتبه لها المؤلف " ثم أفاد أن النسائي إنما رواه في " اليوم والليلة " لا في " السنن " على العادة المتكررة في الكتاب ، فتنبه "
قلت : أخرجه عبد الرزاق في المصنف ( 11 / 287 / 20559 ) ومن طريقه جماعة منهم أحمد : قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك ، وهذا إسناد ظاهر الصحة ، وعليه جرى المؤلف والعراقي في تخريج الإحياء ( 3 / 187 ) وجرينا على ذلك برهة من الزمن ( 1 ) ، حتى تبينت العلة ، فقال البيهقي في الشعب عقبه ( 5 / 265 ) : ( ورواه ابن المبارك عن معمر فقال : عن معمر عن الزهري عن أنس ، ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ، قال : حدثني من لا أتهم عن أنس .... ، وكذلك رواه عقيل بن خالد عن الزهري ، وانظر ( أعلام النبلاء ) ( 1 / 109 )
ولذلك قال الحافظ عقبه في ( النكت الظراف على الأطراف ) :
" فقد ظهر أنه معلول "
ضعيف الترغيب – المجلد الثاني – ص 247 – ط المعارف
ملاحظة :
( 1 ) صحح الحديث الشيخ رحمه الله تعالى في مقدمة السلسلة الضعيفة – المجلد الأول – ص 26 – ط المعارف – ط الثانية
وهذا يضاف إلى مجموع ما تراجع عن تصحيحه الشيخ رحمه الله تعالى
وممن صحح الحديث ، الإمام ابن كثير رحمه الله في التفسير